النص السماعي (ثقافة السينما) مكتوب
كتاب التلميذ المنير في اللغة العربية المستوى الرابع
مجال الحياة الثقافية و الفنية
الأسبوع الثالث
ثقافة السينما
مكثنا في المدرسة الداخلية أربع سنوات و نحن أطفال صغار بعضنا قادم من البادية يلبس الجلباب و بعضنا قادم من المدينة يلبس الملابس العصرية. كنا نخرج من الداليخة كل خميس. فنصطف في طابور يقوده حارسان، و نتابع طريقنا إلى الحديقة العمومية في بداية الشارع المؤدي إلى حي كيليز، نتمشى في ممراتها نخترق أشجارها مستظلين بأغصان أشجار الزيتون؛ كانت رياضها تبدو لنا كبيرة زاهية متنوعة، و نحن نظن أن الحائط الجنوبي يفصلنا عن مدينة أخرى مليئة بالأسرار و الخبايا، إذ كنا نسمع أصواتا غريبة يختلط فيها الصراخ بالأنين. ا/ا بعد ظهر يوم الأحد فكنا أحرارا طلقاء ليس علينا حارس و لا رقيب نقطع ساحة جامع الفنا مسرعين و ننتظر أمام مكتب البريد الحافلة التي توصلنا لإحدى دور السينما التي كنا نحب ما تعرضه من أفلام ممتعة، و كنا نفاجأ بالوسطاء من موزعي الصحف و ماسحي الأحذية قد استحوذوا هعلى جميع تذارك الفيلم و بدأوا يعرضونها للبيع أن نقبل الثمن أو أ، نتخلى عن الحفلة، فنغامر بشراء التذكرة و ندخل قاعة العرض لنمتع بجو الفيلم قبل أن ينطفء النور و يبدأ العرض.
كانت ثقافتنا السينمائية ضعيفة جدا لأننا لم نكن نهتم لا بالمخرج و لا بمغزى الفيلم، و لا بشرة الممثلين، و لا بكاتب قصة الفيلم، و لا بمن وضع السيناريو. و إنما كان اهتمامنا بأحداث الفيلم و من انتصر في هذه الأحداث؛ و عندما نخرج من صالة العرض كنا نشتري نص الفيلم المكتوب الذي كانت تعرضه جريدة مخصوصة لذلك، فنعيد المتعة بقراءة الحكاية من جديدن و مشاهدة صورها.
أتذكر أحد حراس الداخلية الذي كان يحمل اسما ذا رنة تونسية كان يبدو عليه أنه مولع بالقراءة، إذ كلما دخلنا عليه كنا نجده إما ممسكا بكتاب أو أن له قصة موضوعة على الطاولة أمامه، و كان يحب هذا الحارس لعب الكرة مع أقرانه فنستمتع بمشاهدته و هو يلعب، كما نستمتع بحواره معنا و هو يلخص لنا مضمون القصة التي أعجبته، فنطلب منه أن يعيرها لنا لنقرأها، فلا يمانع، و كنا نقرأها بشغف خاصة و هو يؤكد علينا ان هذه القصة يحمل عنوانها الفيلم الفلاني أو الفلاني لأديب أمريكي، أو ألماني، أو فرنسي مشهور.
عبد الله العروي. أوراق. المركز الثقافي. ط 1989 م ص ص 30،29 (بتصرف)